٢٦‏/٠٧‏/٢٠٠٧

(طلب النجاة في طريق الاستقامة)

د/ محي حامد يكتب:وصايا إلى أحبة القلوب
ما أحوجنا اليوم أيُّها الأحبة الكرام بأن نتواصى بما يعيننا على أداء رسالتنا ومهمتنا التي خُلقنا من أجلها، في ظل طغيان المادة والشهوات
وغياب القيم والأخلاق،ولنعلم أيها الأحباب أننا أصحاب دعوة حق؛ لها من المبادئ والقيم والأخلاق التي تُؤثِّر في المجتمع ولا نتأثر بما يسود في المجتمع من ظواهر سلبية من ظواهر سلبية وعلل وأمراض؛ ولذا فإن النجاةَ لنا في طريق الاستقامة مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) (الأحقاف)، ومصداقاً لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "قل آمنت بالله ثم استقم" (أخرجه مسلم).
وأصل الاستقامة كما ذكر العلماء من ثلاثة (اتباع الكتاب، والسنة، ولزوم الجماعة)، وهذه الأمور الثلاثة تحتاج إلى عُدة أمور تُعين على ذلك تتمثل في الإخلاص والعلم وبذل الجهد واعتدال السلوك بين الإفراط والتفريط، كما أوضح لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن ينجوا أحدٌ منكم بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضل"، وفي ذلك يقول ابن القيم رضي الله عنه: "المطلوب من العبد الاستقامة، وهي السداد فإن لم يقدر عليها فالمقاربة، فإن نزل عنها: فالتفريط والإضاعة".
* فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء، كما قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: "الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعبان"، وقال الحسن بن علي- رضي الله عنهما-: "استقاموا على أمرِ الله فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "استقاموا على محبته وعبوديته فلم يلتفتوا عنه يمينه ولا يسره"، وما أشمل وأجمل من قول الله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) (هود).
فبيَّن أن الاستقامةَ ضد الطغيان، وهي مجاوزة الحدود في كلِّ شيء، وعندما سُئل صديق الأمة أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- عن الاستقامة؟ فقال: "أن لا تشرك بالله شيئًا"، وهذا مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ (فصلت: من الآية 6).
* ومما ذُكر أيها الأحبة الكرام نستخلص أن الطريق إلى الاستقامة يستلزم عدة أمور أساسية لا غنى عنها منها:
أولاً: التوبة إلى الله عز وجل، والإنابة إليه، ودوام الاستغفار.
ثانيًا: الدعاء وطلب العون من الله "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، "اللهم اغفر لي ما فات، واعصمني مما هو آت، وارزقني تقواك".
ثالثًا: تدبر آيات القرآن الكريم والوقوف على أوامره ونواهيه، فتذكر قول عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: "عندما أسمع قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أقف مستعدًا لأمرٍ فأُنفِّذه، أو لنهي فأنتهي عنه".
رابعًا: التخلق بأخلاق النبي- صلى الله عليه وسلم- واتباع سنته مصداقًا لقول السيدة عائشة- رضي الله عنهما-: "كان النبي- صلى الله عليه وسلم- خُلقه القرآن، كان قرآنًا يمشي على الأرض".
خامسًا: الإخلاص والصدق في الأقوال والفعال والأحوال والنيات، وهذا يتطلب المراقبة والمحاسبة للنفس في دقائق الأمور صغيرها وكبيرها، فالرياء في الأعمال يخرجه عن الاستقامة، والفتور والتراخي يخرجه عنها أيضًا، ولا يحصل هذا إلا باليقظة الدائمة والتعهد المستمر لحال القلب.
سادسًا: الإكثار من الطاعات واجتناب المعاصي: "اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات.."، وكما يقول ابن القيم: "فكل الخير في اجتهادٍ باقتصاد، وإقران مقرون بالاتباع"، ويقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لكل عملٍ شرة، ولكلِّ شرة فترة، فمَن كان فترته إلى سنته أفلح، ومن كانت فترته إلى بدعةٍ خاب وخسر".
سابعًا: لزوم الجماعة، والمراد به لزوم الحق وأهله ولو قلُّوا، لا لزوم أكثر الناس، هذا يتطلب بصيرة وعلم وعمل مع لزوم مجالسة الصالحين وأهل الحق والصلاح في إطارٍ من الحب في الله والعمل لدين الله.
ثامنًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بفقهٍ وعلمٍ واتباعٍ لسنة الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: 108).
ويقول المحاسبي- رضي الله عنه-: "وكُنْ قائلاً بالحق عاملاً به يزدك الله نورًا وبصيرةً، ولا تكن ممن يأمر به وينأى عنه فتبوء بإثمه وتتعرَّض لمقتِ الله"، ويقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "مَن وعِظ ولم يتعظ، وزُجِر ولم يزدجر، ونُهِى ولم ينتهِ فهو عند الله من الخائبين".
تاسعًا: البذل والإنفاق في سبيل الله بكل غالٍ وثمين مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)، ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله (عندما أُعطي إنما آخذ)، فمَن أراد القُرب من الله فعليه بالتضحية والعطاء بكل ما يملك بصدقٍ وإخلاصٍ لله عز وجل.
عاشرًا: التحلي بالصبر، فالطريق إلى الله تحتاج إلى الصبر الجميل كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) (آل عمران)، وكما في قوله ﴿وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: من الآية 155)، وفي ذلك يقول ابن القيم: "للصبر مراتب، أن تصبر أن تتعلم أمور دينك، وأن تصبر على أن تدعو بما علمت وعملت، وأن تصبر على أذى الناس".
أيها الإخوة الكرام: إن الطريق إلى النجاة لن يكون إلا بالاستقامة على أمر الله، ولن تتحقق فينا الاستقامة إلا باتخاذ الخطوات الموصلة إليها، ولن يكون ذلك إلا بحمل النفس على المكاره، فحُفت الجنة بالمكاره وحُفت النار بالشهوات، ولكن ينتظرنا أمر عظيم ينسينا شدة الطريق، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)(فصلت)، يالها من عظيم البشرى! وياله من وعد صدق عند مليك مقتدر! فرجاؤنا في الله كبير، وثقتنا في الله ووعده عظيمة.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن نكون من أهل الاستقامة على طريق الله، وأن نفوز بالشهادة في سبيله، وأن يرزقنا نعيم الجنة والنظر إلى وجهه الكريم.. اللهم آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.

٢٤‏/٠٧‏/٢٠٠٧

*جئتك من عند كريم*



أخي الحبيب
أما آن لك أن تتوب له..؟ أما آن لك أن ترجع إليه..؟ أينادى عليك الملك الودود وأنت تعرض عنه كيف...؟ ألم تسمعه يعاتبك على بعدك عنه ويقول:{ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}.،ويقول أيضاً: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَستَغْفِرُونه }.، والله إنه كريم حليم.. يغفر الذنب العظيم.. يجيب المضطر.. ويكشف الضر.. كريم..حليم.. واحد.. أحد.. فرد.. صمد.. أقبل على الله.. إنكسر بين يديه.. وانطرح بين يديه.. واسأله من فضله وقل.. ياالله....ياالله.... اطلب منه العفو والمغفرة..يقول الله تعالى:{سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.، والله الذي لا إله غيره لو أنك أبصرت الراحة والسعادة والطمئنينة التي ستملئ قلبك... وتملئ عليك حياتك...والله ما ابتعدت قيد أنملة عن ربك كيف لا..؟ وربك يخبرك ويقول: {الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.، كيف لا تطمئن النفس والروح وهي تصفو وترقى عند إتصالها بخالقها والله لو أنك عرفت حلاوة ومذاق التوبة والرجوع إلى الله وفرحة المولى عز وجل بتوبتك.. ثبت في الصحيحين عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : {لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه, وعليها طعامه وشرابه، فيأس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها -قد أيس من راحلته- فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح}.، ولو أنك عرفت ما أعده الله لعباده المؤمنين التائبين والعائدين إليه قال الله تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}.، نعم بشراكم اليوم وهل توجد بشرى أفضل من الجنة..؟ والله نعم البشرى ونعم الفوز ..وأي فوز وأي نجاح أفضل من الجنة..؟ والله لهو الفوز العظيم.،وهل تعرف أن التوبة أمر من الله لعباده..؟ ألم تقرأ قوله تعالى:{ياأيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين ءامنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير}.، ألا تريد أن يغفر الله لك .. ألا تتمنى الجنة .. عجباً لك..!!! ألا تتمنى مرافقة النبي في الجنة؟ .، ألا تعلم أن التوبة سبب لفلاحك في الدنيا والآخرة.. قال تعالى:{ وتوبوا الى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون}.،ألا تريد أن يبدل الله سيئاتك إلى حسنات قال سبحانه:{ إلا من تاب وءامن وعمِل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً}.، ألا تريد زيادة في الرزق و بركة في الأولاد وقوة في بدنك قال تعالى: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين}.، وقال أيضاً:{ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً}.،وبعد ذلك كله هل مازلت مصراً على معصية الخالق..؟ ألا تريد أن تكون ممن يحبهم الله ، قال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}.،وهل هناك سعادة يمكن أن يشعر بها إنسان بعد معرفته أن خالقه ومولاه يحبه إذا تاب إليه..!
أخي الحبيب: كلنا مذنبون... كلنا مخطئون.. نقبل على الله تارة وندبر أخرى، نراقب الله مرة، وتسيطر علينا أهوائنا مرة أخرى،من منا يخلو من الذنوب ومن منا لم يقع في المعصية، ولا بد أن يقع منا الخطأ،فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم}..صحيح الجامع.،وقال صلى الله عليه وسلم:{لو أنكم تكونون على كل حال على الحالة التى أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم}..صحيح الجامع.، فلست أنا و أنت بمعصومين.. { كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون } [رواه الترمذي وحسنه الألباني].، وإليك أخي الحبيب شروط التوبة الصادقة:
(1) الإعتراف بالمعاصي والذنوب: فلابد من الإعتراف بالخطا أولاً.
(2) الندم على ما سلف من المعاصى والذنوب:فلابد من الندم والأسف على ما أقترفته نفسك من المعاصي.
(3) الإقلاع عن هذه المعاصي والذنوب:فلا تصح التوبة مع الإصرار على المعاصي.
(4) العزم على عدم الرجوع لهذه المعاصي والذنوب:فلا تصح التوبة من عبد ينوي الرجوع إلى هذه المعاصي.
ولتعلم أخي في الله
أنه لا صغيرة إن واجهك عدله ولا كبيرة إن قابلك فضله
فبادر بالرجوع إليه والإنكسار بين يديه.. قال الحسن البصري: ( إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي، وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل)..،وإياك..إياك والإصرار على الذنوب وإن كانت من الصغائر فالإصرار على الصغيرة كبيرة ، ولتعلم أنه لا كبيرة مع إستغفار ولا صغيرة مع إصرار.
أخي الحبيب: هناك دلائل على قبول التوبه منها: أنك تجد الطاعة خفيفة على النفس وحلوة الشعور ومفتحة لها الأبواب وتجد المعصية ثقيلة على النفس مرة الشعور ومغلقة لها الأبواب .، جعلنا الله من عباده التوابين الأوابين المتطهرين وجعلنا رفقاء النبي في الجنة اللهم ءامين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.